إعداد لجنة الدراسات في الحزب الشيوعي اللبناني:
تقع هضبة الجولان في أقصى الجنوب الغربي من سوريا، وتشكل صلة وصل مهمة بين لبنان وسوريا وفلسطين والأردن، وتبلغ مساحتها 1860 كلم مربعاً منها 1158 كلم مربعاً تقع تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ 1967. الجولان سلسلة جبلية يرتفع في شمالها جدار جبلي شامخ هو جبل الشيخ حيث يصل ارتفاعه الى 2225 متراً عن سطح البحر المتوسط. تعتبر هضبة الجولان من أهم المناطق العربية التي تسيطر عليها اسرائيل، ليس فقط بسبب موقعها العسكري الاستراتيجي وحسب، بل بسبب انها اكبر تجمع مائي عربي, ويقدر مخزونها مع بحيرة طبريا بـ4.3 مليارات متر مكعب من المياه الأساسية في لبنان وفلسطين وسوريا والاردن, وتبلغ كمية المياه التي تخزنها هضبة الجولان سنويا 1.2 مليار متر مكعب.
بحيرة طبريا
تبلغ مساحة بحيرة طبريا 170 كلم مربعاً وسعتها المائية حوالى 4.3 مليارات متر مكعب في أعلى مستوياتها، وهو ما تسميه اسرائيل الخط العالي ويقع على ارتفاع 208 أمتار عن سطح البحر, أما في أدنى مستوياتها عند الخط الأحمر الذي يقع على ارتفاع 213 مترا عن سطح البحر, في هذه الحال تبلغ سعة البحيرة 3.6 مليارات متر مكعب.
تتجدد الثروة المائية في البحيرة من المصادر الجولانية التي تصب فيها، وأهمها نهر الأردن الأعلى الذي يصب في البحيرة من الطرف الشمالي حاملا إليها ما يقارب 844 مليون متر مكعب سنويا وأهم روافده: نهر الحاصباني ينبع من لبنان (سفوح جبل الشيخ) ويمتد بمقدار 21 كلم في الأراضي اللبنانية ومعدل تصريفه سنويا 150 مليون متر مكعب. نهر بانياس ينبع من الأراضي السورية قرب قرية بانياس في الجولان المحتل ويبلغ طوله نحو 9 كلم منها 2 كلم في سوريا ويبلغ تصريفه السنوي 120 مليون متر مكعب. نهر اللدان (دان) وهو أحد روافد نهر الأردن الرئيسية, ينبع من سفوح جبل الشيخ الى الغرب من قرية بانياس السورية ويبلغ تصريفه السنوي 270 مليون متر مكعب ويلتقي مع نهر بانياس بعد 4 كلم من قرية منصورة الفلسطينية (المدمرة) ثم يتحد بعد ذلك مع نهر الحاصباني ليشكل الثلاثة بداية نهر الأردن. كما يصب في البحيرة ما يعادل 65 مليون متر مكعب سنويا من الينابيع الواقعة بمجال حوضها. وهناك ايضا 65 مليون متر مكعب اخرى سنويا من الأمطار التي تسقط على البحيرة، بالإضافة الى 70 مليون متر مكعب سنويا من السيول.
الحوض الأوسط لنهر الأردن يشمل أساسا بحيرة طبريا ونحو 3 كلم من مجرى النهر الخارج منها حتى لقائه بنهر اليرموك الجولاني الذي يعتبر من أهم المصادر المائية لهضبة الجولان, ويغذي نهر الأردن بحوالى 480 مليون متر مكعب سنويا. أما الحوض الأدنى لنهر الأردن فيشمل 200 كلم من مجرى النهر ويبدأ من نقطة التقائه بنهر اليرموك وينتهي بمصبه في البحر الميت. يتلقى هذا الحوض القسم الأعظم من مياهه من نهر اليرموك الذي يغذيه بحوالى 475 مليون متر مكعب سنويا والذي تقع أهم ينابيعه في الجولان المحتل, ويبلغ طوله 130 كلم منها 47 كلم في الأراضي السورية، ويشكل جزء منه الحدود السورية الأردنية.
يحدد تقرير للأمم المتحدة حول نهر الأردن وروافده بأن مجموع ما يصل الى نهر الاردن من جميع روافده، بالإضافة الى مياه بحيرة طبريا، 1250 مليون متر مكعب سنويا تصب في البحر الميت.
رغم ان مياه بحيرة طبريا تميل الى الملوحة إلا أنها تستخدم استخداماً واسعاً في مشاريع كثيرة وفي مناطق مختلفة أهمها مشروع نقل 450 مليون متر مكعب الى صحراء النقب جنوبي إسرائيل.
بحيرة مسعدة
تقع بحيرة مسعدة الى الجانب الشرقي من قرية مسعدة شمالي الجولان، ويفصلها عن جبل الشيخ سهل مرج اليعفورة, وهي بحيرة تشكلت فوق فوهة بركان خامد مساحتها زهاء 1 كلم مربع ومصادر مياهها من السيول, كما يقدر أن في داخلها ينابيع جوفية, وتخزن نحو 3 ملايين متر مكعب من المياه.
عدا كل ذلك, تتميز هضبة الجولان بغزارة أمطارها، خاصة في فصل الشتاء, وبسبب هذه الغزارة للأمطار والتركيبة الجيولوجية لتربتها التي تساعد على تخزين المياه في جوف الأرض لتشكل روافد أساسية لنهر الأردن وبحيرة طبريا ومسعدة, وتقدر الأمطار التي تتساقط فوق الجولان بمعدل 250 مليون متر مكعب سنويا. لذا تتدفق في الجولان عشرات الينابيع, يقدر تصريفها بحوالى 12.5 مليون متر مكعب سنويا.
وادي الرقاد
يعتبر وادي الرقاد وادياً سيلياً قليل العمق، تزداد غزارة مياهه في فصل الشتاء حيث تتدفق اليه الأمطار ومياه الثلوج من جبل حرمون باتجاه الجنوب.
إسرائيل تسرق مياه الجولان
1 ـ بعد احتلال الجولان والضفة الغربية عام 1967 وضعت إسرائبل يدها على هذا المحور المائي الضخم الذي يشمل كل الأنهر النابعة من هضبة الجولان وجبل الشيخ: نهر الأردن وجميع روافده, بحيرة طبريا, بحيرة مسعدة وسيول وادي الرقاد.
2 ـ بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967 دفعت بالقوة الى طرد السكان العرب من الجولان, ولم يبق من السكان العرب والبالغ عددهم آنذاك ما يقارب 130 ألف نسمة إلا 6400 نسمة, أما التجمعات السكنية من مدن وقرى ومزارع والبالغ عددها قبل الاحتلال 140 تجمعا سكنيا فلم يبق منها سوى 5 قرى والباقي دمر بالكامل.
3 ـ بدأت السلطات الإسرائيلية مباشرة، وبعد استقرار الاحتلال العسكري للجولان، بتنفيذ مخططاتها الاستيطانية. ما وجده المستوطنون في الجولان بكثرة هو الأراضي ... وقد ارتبطت الفعاليات الزراعية الأولى للمستوطنين بواقع المصادر المائية التي كانت قائمة قبل الاحتلال, وأصدرت سلطات المحتل قرارا يمنع أي مواطن في الجولان من حفر أعمق من 3 أمتار, وهكذا تم نهائيا القضاء على إمكانية حفر المواطنين السوريين الآبار واستثمار مياههم الجوفية.
4 ـ في نهاية حزيران عام 1967 قامت سلطات الاحتلال بأول مسح مائي للجولان حيث تم اكتشاف ما يقارب مئة نبع مياه, وحتى بداية سنوات السبعين كان المستوطنون قد تمكنوا من استغلال 40 ألف دونم من الأراضي الزراعية.
5 ـ أنشأت سلطات الاحتلال ممثلة بشركة «ميه جولان» العديد من المجمعات المائية موزعة من شمال الجولان حتى جنوبه, بحيث يضمن هذا التوزيع ليس فقط سد احتياجات المزارعين بل يضمن انتشار الاستيطان فوق كل أرجاء الجولان. ففي سنوات التسعينيات وصل عدد المجمعات المائية الى 12 مجمعاً مائياً بقدرة استيعاب تصل الى 34 مليون متر مكعب.
6 ـ بالإضافة الى ذلك، ولكي تسهل سلطات الاحتلال تزويد المستوطنين بالمياه, قامت شركة «ميه جولان» بتنظيف خط التبلاين (كان هذا الخط قبل الاحتلال مخصصا لنقل النفط من السعودية ويخترق الجولان من جنوبه الى شماله ليصل الى ميناء الزهراني على الساحل اللبناني) وتحويله لنقل المياه داخل الجولان للمستوطنين حيث يبلغ قطره 30 «انشاً» وتصل قدرته الى تمرير 3000 متر مكعب من المياه في الثانية.
7 ـ بدأت سلطات الاحتلال في خريف 1968 باستخدام بحيرة مسعدة كخزان كبير للمياه, حيث حولت إليها مياه نهر صعار المجاور ومياه سيل أبو سعيد في فصل الشتاء وأقامت في جنوب البحيرة محطة ضخ تغذي شبكة من الأنابيب توزع المياه على المستوطنات شمال الجولان. وبذلك استطاعت ضخ مليون ونصف مليون متر مكعب من المياه سنويا الى المستوطنات والى الداخل الإسرائيلي.
8 ـ ازدادت المشاريع الإسرائيلية بعد قانون ضم الجولان الى إسرائيل في 14/12/1981. ونتيجة لهذا القرار اعتبرت الأراضي السورية المحتلة ومياهها ملكا لإسرائيل. وذلك بعد إصدار قانون تعديل الجنسية في 10/7/1980 الذي نص على أن من حق وزير الداخلية إعطاء الجنسية لسكان المناطق المحتلة عام 1967.
جوابا على قانون الضم والجنسية نفذت القرى العربية الخمس إضرابا شاملا ورفضت الهوية الإسرائيلية. رفضت هذه القوانين عالميا رفضا قاطعا, وأصدر مجلس الأمن القرار الرقم 497 الذي اعتبر قانون الضم لاغيا وباطلا, كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في 5/2/1982 أدانت فيه بقوة عدم امتثال إسرائيل لقرار مجلس الأمن المذكور.
9 ـ الأخطر من بين المخططات الاسرائيلية في الجولان هو الآبار الارتوازية العميقة التي تحدد كلفتها بـ3 ملايين دولار, أقامتها إسرائيل وما زالت تقيمها على خط وقف النار وتحت أنظار القوات الدولية. فحفرت ثمانية عشر بئرا ارتوازيا بهدف ضمان مواصلة تدفق المياه الى بحيرة طبريا وعدم المساس بمياه السيول, وربطت هذه الآبار بشبكات أنابيب تغذي المستوطنات بالمياه والقسم الأكبر ينقل الى داخل الأراضي الإسرائيلية.
10 ـ تستغل إسرائيل ستين مليون متر مكعب سنويا من المياه التي كانت تسير في اتجاه السفوح الشرقية للجولان وتصب في الأراضي السورية, مما يشكل خطورة على المياه السطحية والجوفية التي تغذي الأراضي الزراعية في الجولان السوري التي يعتمد عليها المزارعون السوريون في القسم المحرر من الهضبة, حيث النقص الكبير في المياه التي تصل الى هذه الأراضي.
11 ـ واحد من أكبر مشاريع سرقة المياه السورية يطلق عليه اسم «تجمع القنيطرة». يقوم هذا التجمع على قطعة أرض محتلة تابعة لمدينة القنيطرة السورية المحررة. يحول المشروع سيول الأمطار عن الأراضي السورية لتوجيهها الى الأراضي الإسرائيلية, الأمر الذي يحمل في طياته أهدافا استراتيجية تتمثل في محاولة السيطرة حتى على مياه الأمطار لتتحول مستقبلا الى ورقة مساومة لمفاوضات مستقبلية.
12 ـ بهدف حرمان سوريا والأردن من المياه، بدأت قوات الاحتلال في تموز 2006 بإقامة سد ركامي في الجولان المحتل يبعد 10 أمتار فقط غرب خط وقف النار وتحت أنظار الوحدة البولندية التابعة لقوات الأمم المتحدة, وهو كناية عن سد ركامي تزيد مساحته على واحد كلم مربع ويرتفع أكثر من 8 أمتار وحجمه التخزيني مفتوح من خلال ضخ المياه الزائدة عن التخزين الى الأراضي المحتلة في الجولان وفلسطين, بهدف تحويل مياه الأمطار والسيول المغذية لوادي الرقاد الرافد الأكبر لنهر اليرموك وسرقتها ومنعها عن الأراضي السورية.
13 ـ أقامت السلطات المحتلة في الجولان مجموعة من السدود يفوق عددها 7 ويصل حجمها التخزيني الى أكثر من 53 مليون متر مكعب, وربطت هذه السدود في ما بينها وربطتها بمضخات ضخ شمالي بحيرة طبريا وتم نقلها عبر «الناقل الوطني» الى منطقة النقب في جنوب إسرائيل.
14 ـ كل المعطيات المحلية والدولية تدل على أن إسرائيل تسرق مياهاً من الأراضي السورية ما يفوق عن 813 مليون متر مكعب سنوياً. هذه الكمية المسروقة تعادل 25% ـ 30% من الاستهلاك الإسرائيلي للمياه.
15 ـ كان شمعون بيريز في تصريحه عام 1993 أوضح المعبرين عن الأطماع الإسرائيلية في مياه الجولان، اذ قال «المياه قبل الأرض, ولو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه, فسنكتشف أنه ليس لدينا اتفاق حقيقي». كلام بيريز هو جوهر القضية وعنوان كل المشاريع التي نفذتها وتنفذها إسرائيل في هضبة الجولان في محاولة لبسط السيطرة الكاملة على مصادر المياه هناك، وبالتالي فرضها أمرا واقعا في مفاوضات مستقبلية.
16 ـ أكبر الجرائم الإسرائيلية في الجولان المحتل تلوث المياه والتربة. تلوث واسع يصيب المياه المعدنية, حيث أكدت مصادر طبية إسرائيلية أنه بعدما تبين لأول مرة في تاريخ 3/2/2009 ان هناك تلوثاً في المياه التي تعبأ عن طريق شركة (مي عيدن) وبعد تكرار النتيجة عدة مرات أمرت الشركة بوقف ضخ المياه من عين السلوقية. المصادر الطبية نفسها قالت في السياق ذاته إن الفحص المخبري لعدة ينابيع في منطقة الجولان بيّن أنها ملوثة. رغم ما يبدو أنه حدث عادي كما تصوره سلطات الاحتلال وحاولت التعامل معه بطريقة طبيعية كأنه مجرد تلوث في الانابيب. إلا أن تدخل جهات عديدة في المسألة بدءا من وزارة الصحة وصولا الى وزارات ما يسمى الأمن الداخلي يشير الى أن الأمر أكبر بكثير. تؤكد تقارير سرية دولية أن إسرائيل نشرت رؤوساً نووية كثيرة في أجزاء مختلفة من الجولان المحتل ووضع ألغاما ذرية وزرعت الألغام التكتيكية النووية والقنابل النيتروجينية على خط وقف إطلاق النار. بالإضافة الى ذلك، أشارت هذه التقارير الى أن إسرائيل دفنت النفايات النووية في منطقة الجولان في حاويات عمرها الافتراضي 30ـ50 سنة وهذه الحاويات غير آمنة ومعرضة للتشقق سريعا، مما يشكل خطرا على تلوث المياه الجوفية وتهديد الحياة البشرية والتربة في المنطقة لعشرات السنين. كما تشكل المصانع الاسرائيلية في الجولان التي تنتج مخلفات كيميائية وبيولوجية ونفايات المستوطنات والمعسكرات سببا لتدمير البيئة في الجولان وتلويث مياهه العذبة.
خطة أوباما الجديدة للسلام
محور الخطة الأساسي الحفاظ على حق إسرائيل بالسيطرة على الموارد المائية في الجولان, وتشمل مشاريع تضمن للطرفين السوري والإسرائيلي مواصلة السيطرة على عدد من الموارد والمحميات الطبيعية في المنطقة والاستفادة منها, أما في مركز الخطة فـ«سوريا تحصل على الأرض وتنظم عملية الوصول الى المياه, فيما اسرائيل تحصل على المياه وتنظم عملية الوصول الى الأرض». أما الأمر الجوهري الآخر في الخطة الأميركية فيتعلق «بحديقة السلام» التي تقترح اقتطاع ثلث مساحة هضبة الجولان وإقامة محمية طبيعية تكون تحت السيطرة الشكلية لسوريا وبإشراف دولي، وستبقي على علاقة إسرائيلية مع الجولان. إن مشروع الحديقة يهدف الى حماية موارد المياه في حوض نهر الأردن, والأراضي السورية شرقي الحدود المتفق عليها في شكل متبادل, وستكون حديقة مفتوحة للجميع
No comments:
Post a Comment