يا جبل البعيد
رامي زريق
غريب فصل الخريف برمزيته المعكوسة. فهو فصل هادئ، لكنه ينذر بأيام عاصفة، تماماً كما تنذر ألوان المغيب بالظلام. في هذه الأيام، تتغير الاعتبارات، فالشمس الساطعة والسماء الزرقاء تصبحان علامات فأل للفلاحين الذين ينتظرون الأمطار. فقد حفروا الأتلام في حقولهم وزرعوا البذور، وها هم ينتظرون الغيوم ويلعنون الصيف الثاني. انتهت مواسم الحصاد وتجهيز المونة. موسم السنة كان بخيلاً وبدأت الهموم تتراكم: أقساط المدارس، فاتورة المازوت وأسعار الغذاء، ثياب الأطفال، وغيرها من المصاريف المفاجئة التي «تكسر الظهر». يعرف أهل الريف أن الشتاء سيكون مريراً، لكنه شر لا بد منه. فهو عرس الفناء الذي يحمل موتاً تولد منه الحياة. لذا تراهم يحنون رؤوسهم باحترام أمام الثلوج والأعاصير، مدركين أهميتها في إتمام دورة الحياة.
أما أهل المدن الذين انسلخوا عن الطبيعة ومواسمها، فتراهم سعداء لغياب الأمطار، يمارسون الرياضة ويجلسون في مقاهي الرصيف يحدثون السياح عن صيف لبنان الجميل الذي لا ينتهي، غير مدركين أن شُحّ المياه الذي تعانيه المدينة وارتفاع أسعار الخضار والفاكهة سببهما ارتباك المواسم وتأخير الغيث.
كيف وصلت بنا الحال إلى هذا الحد من الابتعاد عن الطبيعة؟ فبالنسبة إلى الكثير من الشباب والشابات في المدن، لم يعد هناك مواسم تفصل الأيام بعضها عن بعض وتحدد ما يمكن استهلاكه من خضار وفاكهة. أصبح الخريف فصل العودة إلى الدراسة، والشتاء فصل التزلج والكريسماس، والربيع فصل الحساسية، والصيف فصل البحر. لم نعد نعلم كيف ينتج الغذاء وكيف تحصد المحاصيل، وأصبح السوبرماركت والمطعم والدليفري حقولنا وكرومنا وبساتيننا، نشتري منها غذاءً يشبه مدننا، فاقداً للروح وللمذاق. كيف لنا أن نحمي أرضاً انسلخنا عنها؟
غريب فصل الخريف برمزيته المعكوسة. فهو فصل هادئ، لكنه ينذر بأيام عاصفة، تماماً كما تنذر ألوان المغيب بالظلام. في هذه الأيام، تتغير الاعتبارات، فالشمس الساطعة والسماء الزرقاء تصبحان علامات فأل للفلاحين الذين ينتظرون الأمطار. فقد حفروا الأتلام في حقولهم وزرعوا البذور، وها هم ينتظرون الغيوم ويلعنون الصيف الثاني. انتهت مواسم الحصاد وتجهيز المونة. موسم السنة كان بخيلاً وبدأت الهموم تتراكم: أقساط المدارس، فاتورة المازوت وأسعار الغذاء، ثياب الأطفال، وغيرها من المصاريف المفاجئة التي «تكسر الظهر». يعرف أهل الريف أن الشتاء سيكون مريراً، لكنه شر لا بد منه. فهو عرس الفناء الذي يحمل موتاً تولد منه الحياة. لذا تراهم يحنون رؤوسهم باحترام أمام الثلوج والأعاصير، مدركين أهميتها في إتمام دورة الحياة.
أما أهل المدن الذين انسلخوا عن الطبيعة ومواسمها، فتراهم سعداء لغياب الأمطار، يمارسون الرياضة ويجلسون في مقاهي الرصيف يحدثون السياح عن صيف لبنان الجميل الذي لا ينتهي، غير مدركين أن شُحّ المياه الذي تعانيه المدينة وارتفاع أسعار الخضار والفاكهة سببهما ارتباك المواسم وتأخير الغيث.
كيف وصلت بنا الحال إلى هذا الحد من الابتعاد عن الطبيعة؟ فبالنسبة إلى الكثير من الشباب والشابات في المدن، لم يعد هناك مواسم تفصل الأيام بعضها عن بعض وتحدد ما يمكن استهلاكه من خضار وفاكهة. أصبح الخريف فصل العودة إلى الدراسة، والشتاء فصل التزلج والكريسماس، والربيع فصل الحساسية، والصيف فصل البحر. لم نعد نعلم كيف ينتج الغذاء وكيف تحصد المحاصيل، وأصبح السوبرماركت والمطعم والدليفري حقولنا وكرومنا وبساتيننا، نشتري منها غذاءً يشبه مدننا، فاقداً للروح وللمذاق. كيف لنا أن نحمي أرضاً انسلخنا عنها؟
1 comment:
You write so well of the contrast. It is exactly that, miyeh bel miyeh..
Post a Comment