إحياء الريف
من أصعب المآسي التي قد تصيب المزارعين، إرغامهم على رمي محصولهم في القمامة. هذا ما يحصل اليوم في عكار نتيجة غياب الأسواق وإغلاق باب التصدير عبر سوريا. تتراكم جبال الخضار والفاكهة في المزارع والأسواق، وتكسد وتفسد ولا من شارٍ ولا من مستهلك. إنها حقاً كارثة، وقد تتفاعل أكثر فأكثر وتؤدي إلى إفلاس صغار المزارعين الذين لا يقدرون على استيعاب الخسارة المادية. قد يضطر البعض مرغماً إلى ترك الزراعة وبيع الأرض والانضمام إلى سرب العاطلين من العمل. هكذا يُلغى القطاع الفلاحي ويُستبدَل بقطاع زراعي رأسمالي متخصص أقرب إلى الصناعة منه إلى الزراعة. قطاع مبني على قاعدة «بحور» الخيم البلاستيكية التي تدمر البيئة الطبيعية والاجتماعية. قد يبدو للبعض، وخصوصاً الاقتصاديين الموالين للمدرسة النيو ليبرالية التي أصبحت المذهب السائد ودين الدولة في أكثر البلدان، أن لا مفر من هذا التطور «الطبيعي».
تنص شريعة السوق ـــ الغاب على أن القوي يأكل الضعيف. وفي حال البشر، من يملك الثروة أو السلطة يستغل الضعيف لإنتاج فائض مالي يتغذى منه رأس المال. هذا ما يصيب القطاع الزراعي عالمياً، حيث تبتلع حيتان الاستثمار الملكيات الصغيرة وتحولها إلى «استثمارات ـــ استعمارات» تستغل الأرض والماء والبشر لإنتاج سلع معدّة للتصدير لا يرى منها المستهلك المحلي إلا بضائع الدرجة الثانية التي تتلاءم وقدرته الشرائية. هذا ما يجري اليوم في لبنان كما في البلدان التي شهدت انتفاضات وثورات، والتي لم يتغير فيها واقع الفقر الريفي. لا تنبع فكرة إحياء الريف من شعور رومانسي، بل من ضرورات ثقافية واجتماعية وبيئية واقتصادية وغذائية وإنسانية. لن نستطيع بناء مجتمع الـ«عيش والحرية والعدالة الاجتماعية» على ظلم أهل الريف، فهل هناك بين أهل السلطة من يريد بناء مجتمع حر وعادل؟
No comments:
Post a Comment