بلد التحولات
قام أخيراً عدد من طلاب الماجستير في علوم البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت بدراسة تحوّلات سبل العيش في 4 مناطق ريفية في جبل لبنان، وما يرافقها من تغيرات بيئية واقتصادية واجتماعية. جاءت نتائج البحث لتؤكد ما كنا نعلمه بديهياً، مع كشفها عن بعض الأمور الجديدة والمثيرة للاهتمام. أما البديهيات في الدراسة، فقد أظهرت أن هناك تشابهاً كبيراً في ديناميكية التحولات على رغم الاختلاف بين المناطق المدروسة، التي امتدت من الكورة إلى الشوف. كما كان للحرب في لبنان حيّز في الدراسة، إذ بينت أن لها أثراً كبيراً على صعيدين: الأول أنها دفعت الأهالي إلى الهجرة الطوعية أو القسرية، الأمر الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الريفي التقليدي. والثاني أن الحرب قضت على العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، الذي لم يكن يوماً قوياً واستبدلته بشريعة غاب تخدم مصلحة القوي وتُسهم في نشر الفساد.
من جهة أخرى، أضاءت الدراسة على التحولات في النظم الزراعية التقليدية، وخصوصاً الاختفاء شبه التام للزراعات الموسمية البعلية كالحبوب وانتشار الزراعات المروية، ما أسهم في انحسار المساحات المزروعة نتيجة محدودية توافر مياه الري. ومن جهة أخرى، أشارت الدراسة إلى تفكك البنية المدنية التقليدية للقرى والبلدات المدروسة، التي كانت مبنية على التجمع حول مرافق البلدة (الساحة ودار العبادة وعين المياه). وما تغير هو أن مساكن هذه البلدات تنتشر اليوم على الأراضي الزراعية السابقة، الأمر الذي أسهم في تحول طابع الأرض وأريافنا تالياً إلى امتداد للمدينة. ومن الأمور التي بقيت ثابتة عبر السنين عدم التكافؤ في ملكية الأرض؛ إذ لا يزال عدد صغير من الملاكين يسيطر على مساحات واسعة، بينما تتنافس عامة الشعب على ما بقي له من فتات. هكذا، يبدو أن مصالح الأثرياء في لبنان قادرة على الصمود أمام تحولات التاريخ.
يا له من وطن!
No comments:
Post a Comment