فرصة تاريخية
قلبت الانتفاضات العربية كل مفاهيم «الثورات»؛ إذ إنها أتت مباشرة من الشعب، من دون المرور عبر الجهات التقليدية التي تدّعي تمثيله. وكانت «الجمعيات غير الحكومية» (NGO) هي الغائب الأكبر عن الميادين؛ إذ لم يُسمع لها «حسّ» خلال فترة الاعتصامات إلا في بعض العواصم الغربية. أتى هذا «التقصير» كصفعة على وجه الجهات التي كانت تمهد لحصول الانتقال «الديموقراطي» العربي من خلال متعهدي التنمية والممولين من وزارات الخارجية الغربية والناطقين بالخطاب المنمط والمشبع بالعنصرية عن الجندرة والحرية والديموقراطية والإسلام السياسي والإرهاب وثقافة السلام (مع إسرائيل) والبيئة. من أهم الدلائل على هذا الإخفاق، اللقاء الذي حصل في واشنطن في 16 شباط الماضي برعاية وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، والذي أُطلق عليه اسم «الحوار الاستراتيجي». جمع اللقاء قياديي الـ«NGO» من العالم، لكن لم يتحدث في الجلسة الافتتاحية أحد سوى كلينتون وممثل أفغانستان وممثل مصر. لام هذا الأخير الحكومة الأميركية لعدم توفيرها الغطاء السياسي والدعم الكافيين للثوار، قبل أن يعلن أن المجتمع المدني المصري يمثّل «الشريك الدائم على المدى الطويل» للولايات المتحدة. نحن اليوم على منعطف مفصلي من الانتفاضات العربية. تجول كلينتون من بلد إلى آخر لدعم الجهات الموالية لسياسة الإمبراطورية والمنتفعة منها. ها هم يتكلمون اليوم على «خطة مارشال» جديدة تمتن المقاربة النيوليبرالية في بلادنا وتشرع أبوابها للشركات العابرة للقوميات وتخضعنا لخدمة الاقتصاد الأميركي. ألا يجدر بمنظمات المجتمع المدني أن تلتقط الفرصة التاريخية وتؤلف جبهة عريضة تتكلم بلغة جماهير ميادين التحرير وتقاوم عملية الاستيلاء على الثورة؟
No comments:
Post a Comment