الاقتصاد المعولم
رامي زريق
يقع العالم واقتصاده تحت هيمنة البلدان القوية والغنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. أحد الأساليب التي تبسط فيها هذه الدول سيطرتها على العالم هي من خلال استنساخ نظامها الاقتصادي في البلدان الضعيفة وفرضه عليها بالقوة إذا احتاج الأمر. وبذلك، تصبح هذه البلدان مرتبطة بنظام عالمي متشعب لا طاقة لها على التحكم به، يتسلل إلى كل بيت ويحدد نمط حياة المواطنين. ولأن هذه المنظومة مبنية على مبادئ الرأسمالية العابرة للقارات، نطلق عليها أحياناً اسم «الاقتصاد المعولم»، التي هي جزء لا يتجزأ من آلية القوة والسيطرة. لذلك، يجب عدّها نوعاً من الاحتلال الخسيس والمجدي جداً للبلدان الغنية؛ لأنه يتيح لها إمكان سلب موارد البلدان الفقيرة والضعيفة وفتح أسواق هذه البلدان لمنتجاتها وخنق قطاعاتها الإنتاجية من دون أن تحرّك بارجة واحدة أو جندياً واحداً. فجنودها اليوم يرتدون البزات الرسمية وينتمون إلى منظمات مالية عالمية على نمط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولديهم عملاؤهم في البلدان الفقيرة، وهي الطبقة الحاكمة فعلياً، حتى لو لم تكن في الحكم. فهي تسيطر على الخيارات الاقتصادية وعلى المصارف والإعلام والوكالات الحصرية وشركات المقاولات والقطاعات الخدماتية وغيرها. وتستطيع هذه الطبقة كذلك دفع أجندتها وشرعنة الاحتلال الاقتصادي والتبعية من خلال إبرام القوانين والسياسات الملائمة في الوزارات ومجالس النواب الواقعة تحت نفوذها المالي والسياسي. لهذا السبب، لن تنجح ثورة ولا حتى فورة عربية واحدة إن لم نعالج هذا الواقع. وهذا أمر لم نعد نستطيع تأجيله، وتكمن أهميته في أنه سيفتح من جديد ملف التكامل الاقتصادي والسياسي العربي، وهذا تماما ما لا يريده لنا المحتل وأعوانه.
No comments:
Post a Comment