Khaled Saghieh in Al Akhbar on the Food Conference in Rome.
http://www.al-akhbar.com/ar/node/165863
تماسيح روما
خالد صاغية«اليوم سيموت أكثر من 17 ألف طفل من الجوع. طفل كل خمس ثوان. ستّة ملايين في السنة. هذا غير مقبول. علينا أن نتحرّك».هذا ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعد افتتاح قمّة الأمن الغذائي التي نظّمتها منظّمة «الفاو» في روما أمس. بابا الفاتيكان لم يكن أقلّ راديكاليّة، إذ صبّ غضبه على المضاربات التي باتت تطال أسواق الحبوب، كأنّما الغذاء قد تحوّل إلى سلعة كأيّ سلعة أخرى.ورغم حضور زعماء ستّين دولة، أخفقت القمّة في التوصّل إلى إقرار المساعدات الغذائية المطلوبة سنوياً، أي 44 مليار دولار فقط لا غير. كما لم تلتزم بمهلة عام 2025 التي كانت مقررة سابقاً للقضاء على الجوع.إذاً، سيتكيّف العالم مع فكرة وجود مليار جائع على سطح الكوكب. الأسوأ من ذلك أنّه سيتكيّف مع وجود مليار جائع في الوقت الذي ينتج فيه الكوكب نفسه ما يكفي من الغذاء لسدّ رمق جميع سكّانه. المشكلة إذاً ليست في الإنتاج وزيادة فاعليّته، بل في التوزيع.ورغم ذلك، فإنّ أصحاب النيّات الحسنة، وسماسرة البكاء فوق جثث الجوعى في العالم، لم تصدر عنهم إدانة للشركات المتعدّدة الجنسيّات. فتلك الشركات لا تعمل على احتكار سوق الغذاء في العالم وحسب، فتحدّد أسعاره من دون حاجة إلى السوق ويده الخفية، بل تؤدّي أيضاً سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي في الأرياف إلى إعادة توجيه الزراعة باتجاه الإنتاج من أجل التصدير، وحرمان سكان الريف من زراعاتهم المحلية، علماً بأنّ هؤلاء السكان يشكلون 80% من جوعى العالم.لم يعد هذا الواقع مقنّعاً. والمجتمعون في روما يعلمون تماماً ما يجري. لكنّهم يريدون البحث عن حل «يرضي المزارعين والشركات المتعدّدة الجنسيات في الآن نفسه». وفي الانتظار، يمكن الموت أن يستمرّ في موسم الحصاد.على مدى أربعة أيّام، سافر المزارعون الإيطاليّون من مناطق الجنوب الفقيرة كي يصلوا أمس إلى روما للمشاركة في مسيرة احتجاجيّة. جاؤوا من الأرياف إلى العاصمة على متن جرّاراتهم. ثلاثمئة جرّار فقط سُمح لها بدخول المدينة. أمّا الآخرون، فأجبروا على الانتظار في الضواحي. مشهد معبّر في رمزيّته. فبين الجوع الذي يجتاح الأرياف، والمدن التي تلفظ فقراءها، مساحةٌ آخذة في التمدّد. إنّها الضواحي. غرفة انتظار بين الموت والحياة.
تماسيح روما
خالد صاغية«اليوم سيموت أكثر من 17 ألف طفل من الجوع. طفل كل خمس ثوان. ستّة ملايين في السنة. هذا غير مقبول. علينا أن نتحرّك».هذا ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعد افتتاح قمّة الأمن الغذائي التي نظّمتها منظّمة «الفاو» في روما أمس. بابا الفاتيكان لم يكن أقلّ راديكاليّة، إذ صبّ غضبه على المضاربات التي باتت تطال أسواق الحبوب، كأنّما الغذاء قد تحوّل إلى سلعة كأيّ سلعة أخرى.ورغم حضور زعماء ستّين دولة، أخفقت القمّة في التوصّل إلى إقرار المساعدات الغذائية المطلوبة سنوياً، أي 44 مليار دولار فقط لا غير. كما لم تلتزم بمهلة عام 2025 التي كانت مقررة سابقاً للقضاء على الجوع.إذاً، سيتكيّف العالم مع فكرة وجود مليار جائع على سطح الكوكب. الأسوأ من ذلك أنّه سيتكيّف مع وجود مليار جائع في الوقت الذي ينتج فيه الكوكب نفسه ما يكفي من الغذاء لسدّ رمق جميع سكّانه. المشكلة إذاً ليست في الإنتاج وزيادة فاعليّته، بل في التوزيع.ورغم ذلك، فإنّ أصحاب النيّات الحسنة، وسماسرة البكاء فوق جثث الجوعى في العالم، لم تصدر عنهم إدانة للشركات المتعدّدة الجنسيّات. فتلك الشركات لا تعمل على احتكار سوق الغذاء في العالم وحسب، فتحدّد أسعاره من دون حاجة إلى السوق ويده الخفية، بل تؤدّي أيضاً سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي في الأرياف إلى إعادة توجيه الزراعة باتجاه الإنتاج من أجل التصدير، وحرمان سكان الريف من زراعاتهم المحلية، علماً بأنّ هؤلاء السكان يشكلون 80% من جوعى العالم.لم يعد هذا الواقع مقنّعاً. والمجتمعون في روما يعلمون تماماً ما يجري. لكنّهم يريدون البحث عن حل «يرضي المزارعين والشركات المتعدّدة الجنسيات في الآن نفسه». وفي الانتظار، يمكن الموت أن يستمرّ في موسم الحصاد.على مدى أربعة أيّام، سافر المزارعون الإيطاليّون من مناطق الجنوب الفقيرة كي يصلوا أمس إلى روما للمشاركة في مسيرة احتجاجيّة. جاؤوا من الأرياف إلى العاصمة على متن جرّاراتهم. ثلاثمئة جرّار فقط سُمح لها بدخول المدينة. أمّا الآخرون، فأجبروا على الانتظار في الضواحي. مشهد معبّر في رمزيّته. فبين الجوع الذي يجتاح الأرياف، والمدن التي تلفظ فقراءها، مساحةٌ آخذة في التمدّد. إنّها الضواحي. غرفة انتظار بين الموت والحياة.
No comments:
Post a Comment