Sunday, June 20, 2010

الصَين و النفط و العرب

وليد خدوري 
تميزت الصناعة البترولية العالمية في القرن العشرين بهيمنة مجموعة صغيرة من الشركات الغربية عليها، عرفت في حينه بـ «الأخوات السبع»، منها «إكسون» و«شل» و«بريتش بتروليوم» و«توتال» و«شيفرون».
أما الذي يميز الصناعة البترولية العالمية في القرن الحادي والعشرين، فهو الدور المتصاعد للشركات الحكومية، خصوصاً الصينية، مثل «شركة النفط الوطنية الصينية» (سي أن بي سي) و «سينوبيك» و «سنووك»، بالإضافة إلى الشركة البترولية البرازيلية «بتروبراس» والشركة البترولية الماليزية «بتروناس».
فهذه الشركات تعمل على تطوير الصناعة البترولية داخل بلادها، أما بمفردها أو بالتعاون مع شركات دولية. كما بادرت الشركات الآسيوية إلى توسيع استثماراتها في الصناعة البترولية الدولية من أجل أن تستحوذ على أكبر كمية ممكنة من النفط والغاز واستيراده لبلادها المتعطشة للبترول الذي يغذي نموها الاقتصادي السريع.
خير مثال على هذا هو الشركات الصينية وما تقوم به في هذا المجال. ويُذكر أن الشركات البترولية الصينية تعمل الآن في جميع الدول النفطية العربية، من دون استثناء، وقد فازت الشركات الصينية بحصة الأسد في المناقصتين اللتين طرحتهما وزارة النفط العراقية عام 2009 عندما فتحت حقولها العملاقة المنتجة للشركات الدولية.
ووقعت شركة «سي أن بي سي» الأسبوع الماضي عقداً مع شركة «كازمونيغاز» الكازاخستانية لاستيراد 10 إلى 15 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز الكازاخستاني عبر خط أنابيب سيُشاد بطول 1833 كيلومتر وبتكلفة 3.50 بليون دولار تُوزع مناصفة بين الشركتين. ويبلغ مجموع حصص الشركات الصينية في حقول النفط الأجنبية نحو 1.50 مليون برميل يومياً، بحسب التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية.
لماذا هذا التوسع الكبير للشركات الصينية في الحقول البترولية العالمية؟ يعود السبب إلى النمو الاقتصادي العالي والمستدام في الصين من جهة والى تقادم حقول النفط الصينية وعدم تمكنها من تلبية الطلب المحلي من جهة أخرى. ويبلغ إنتاج الصين من النفط الخام نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، مقارنة بالاستهلاك الداخلي الذي يزيد حالياً على ثمانية ملايين برميل يومياً.
تستورد الصين نحو 47 في المئة من النفط الخام من دول الشرق الأوسط، بحسب وكالة الطاقة الدولية. ويُتوقع أن تستمر دول المنطقة في تأمين هذه النسبة من الإمدادات إلى الصين في المستقبل المنظور أيضاً. وتستورد الصين النفط الخام من أفريقيا (أنغولا والسودان) ودول وسط آسيا وروسيا وأميركا اللاتينية. وبادرت شركة «أرامكو السعودية» إلى مشاركة شركة صينية وأخرى عالمية في مصفاة للتكرير في الصين ذاتها. وتفاوض «مؤسسة البترول الكويتية» لمشاركة شركة صينية في مصفاة صينية للتكرير. والهدف من هذه الاستثمارات العربية في الأسواق الصينية هو ولوج هذه السوق الضخمة وضمان تزويدها بالنفوط العربية. كما تستورد الصين الغاز المسيل من قطر، وهناك مفاوضات جارية حالياً لتوقيع عقد آخر وزيادة الكمية.
وتشهد العلاقات الصينية الغربية علاقات اقتصادية ممتازة. وعلى رغم الانتقادات التي نسمعها بين الحين والآخر، تستثمر الشركات الغربية عشرات بلايين الدولارات في الصناعة الصينية سنوياً، وتستثمر الصين بلايين الدولارات في السندات الأميركية. بالإضافة إلى هذا التعاون الاقتصادي، برهنت الصين، إن كانت هناك حاجة إلى التأكيد، على دورها الإيجابي في مشاركة بقية الدول الكبرى في إيجاد الحلول للأزمتين الاقتصاديتين العالميتين الأخيرتين. لكن، يبقى السؤال: ماذا عن المستقبل؟ كيف ستحافـــظ الصيــن على استثماراتها البترولية الدولية في حال تأزم علاقاتها مع الدول الكبرى الأخرى، أو حتى مع بعض الدول الآسيوية المجاورة؟ هل من المعقول أن تغض الصين النظر عن مضايقات وتحديات لاستثماراتها، نظراً إلى حاجة اقتصادها إلى البترول، بعد أن استثمرت بلايين الدولارات في هذه الصناعة؟ والسؤال هو: كيف تُحمى هذه الاستثمارات الاستراتيجية في ظل مناخ دولي مختلف؟ وكيف ستمارس الصين الضغوط على الدول المنتجة للمحافظة على استثماراتها من دول كبرى منافسة لها؟ وما هي الوسائل السياسية والاقتصادية المتوافرة للصين للضغط من جهة وللصمود من جهة أخرى؟ وكيف ستحمي الصين أساطيلها البترولية التي تمخر المحيطات من القراصنة أو من بوارج دول معادية؟
هذه ليست سيناريوات نظرية. فالتحديات بدأت، وهي تحديات محدودة وغير مباشرة وضمن نطاق ضيق، بمعنى أن هذه التحديات لا تقع ضمن سياسة غربية واسعة ضد الصين، بل إن استثمارات الصين ستتأثر سلباً في هذه المواجهات غير المباشرة.
لكن تبقى في الوقت ذاته أهمية دراسة ردود الفعل الصينية حيال الضغوط غير المباشرة على استثماراتها البترولية. فقرار مجلس الأمن والعقوبات المــتزايدة على إيران من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة ستشكل تحدياً للاستثمارات الــصينية الضخمة في إيران. وهناك كذلك الاستفتاء في كانون الثاني (يناير) 2011 حول مصير السودان، واحتمال انفصال الجنوب الغني بالنفط والاستثمارات الصينية فيه.

No comments: