Sunday, June 6, 2010

«بجاحة» نجيب ساويروس

حسين صالح
لم يكن ينقص بيروت في الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال الزميل سمير قصير إلا النكهة المصرية التي حملها معه نجيب ساويروس إلى قاعة محاضرات في الجامعة الأميركية بصفته «صديقاً» لسمير.
لا أعرف ما هي معايير الصداقة بين كاتب حمل «همّ» حرية التعبير حتى الرمق الأخير ورجل أعمال صنعه نظام عجوز متفلت يقول عنه ساويروس في محاضرة محدودة الحضور إن لا حل لمشاكله «إلا عند ربنا»، مشيراً دون أن يفصح أن انتقال الرئيس مبارك إلى دنيا الحق هو الجواب الأول والوحيد على السؤال عن مستقبل مصر.
اكتمل نقل الخصخصة المصرية بالزعرور اللبناني فالمحاضر المصري لا يتردد في التأكيد أن لا علاقة له بالسياسة وأن كل ما يعنيه من استثماراته أن يحقق الأرباح. لا يهم كيف تأتي هذه الأرباح وعن طريق أي نظام. المهم أن تزداد الأرقام حتى يستطيع أن يتقاعد بعد سنتين أو ثلاث سنوات ويقود فرقة من الكوماندوس لإطلاق سراح زميله الروسي من السجن الذي وضعه فيه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. هذه ليست نكتة مصرية ولا فلتة لسان بل أن ساويروس مقتنع بما يقول إلى حد المفاجأة.
أما عن الأمن الاجتماعي فهو يحققه في شركته مستغرباً السؤال: التأمين الصحي متوفر والسائق يتقاضى مرتب وزير في الحكومة المصرية. الشركة زينة النظام، لكن الوطن مسؤولية غيره وما عليك إلا أن تصدق، ما دام مديروه ـ بحسب قوله ـ من أصحاب الملايين.
هو يرى أن سوق الاتصالات بأحسن حال، والصفقة الأخيرة التي تمت في الأسواق العالمية تجاوزت الأخطار الاقتصادية ووصلت إلى حد ضرب المدخول السنوي لشبكة الهاتف لعشر مرات كما هي الأسعار في أيام الرخاء. فلم الخوف من الخصخصة؟
لا يهمّه كيف تتحقق الخصخصة. بشفافية. نزاهة. خدمات أفضل للمستهلكين. حق العامة بشراء الأسهم عند التأسس للمشاركة في أرباح على قدر مدخراتهم البسيطة.
كل هذه البنود ليست من أولوياته. هو رأسمالي من رأسه حتى أخمص قدمه ولو «قطّعته» لما خرجت من أجزائه إلا الرأسمالية، على حد قوله.
ينشغل باله صباحاً إذا لم يجد مقالاً في الصحف المصرية شاتماً له فيبدأ بالبحث عن السبب. يخاف على نفسه من أن ينسى المصريون مآثره فيفتعل اشتباكاً يعيده إلى الصفحة الأولى. لا يهمه الدين مع أنه قبطي لكنه «يساعد» المسلمين من صندوق عائلي.
يتمادى «الوحش الإفريقي» في قامته برفع يديه إلى الأعلى يمينها مرة ويسارها مرة أخرى وكلاهما معاً أحياناً راغباً في طول يريد الارتفاع به إلى سقف القاعة. فتعرف أن الفراغ المحيط به لا يكفي لاحتواء حجم أفكاره، الآتية من غابات الرأسمالية المتوحشة.
يجلس العجوز الحاد السمرة في الصف الأول مستمعاً إلى نجله يتباهى بما أسس له المقاول الذي نال التأميم من ثروته المحدودة في أيامها فذهب إلى ليبيا ساعياً في رزقه ليعود ناجحاً إلى مصر في مرحلة ما بعد كامب ديفيد. خاف العجوز أن يقف واحد من الحضور مذكراً الأب والابن في حضور الروح القدس أي الوالدة. خاف أن يذكّره أن الرخصة الأولى التي انطلقت منها الثورة الهاتفية المتنقلة كانت شركة عاملة أسستها الدولة وخصخصتها بعد أشهر من انطلاقتها بمعداتها ومشتركيها بأسعار سببت أزمة في الضمير الوطني المصري واللبناني أيضاً، مؤسسة مدرسة في الخصخصة يحكى عنها باعتبارها من العجائب الاقتصادية في الشراكة بين «النظام» والقطاع الخاص.
خاف العجوز من ذاكرة الحضور فاستعجل الخروج من القاعة قبل ولده ليسمع مصرياً يحييه على صراحة الوحش الإفريقي التي تفوقت على «البجاحة».
خاف أن يسأله أحد الحضور: «جاب منين ولدك «البجاحة دي».
حسين صالح
([) البجاحة بالمصرية تعني الوقاحة

1 comment:

Yann said...

I wish I read arabic...
Regards,